
سيدربوست Cedarpost
كمال القاضي
برغم الضرورة القصوى لوجود العنصر النسائي في الغالبية العظمى من الأفلام المصرية، إلا أن ثقة المنتجين في إسناد البطولات المُطلقة لنجمات الصف الأول من المُمثلات المُحترفات أخذت وقتاً طويلاً في التأكيد ولا تزال محل شك إلى الآن، فالتجربة هي الحكم في مسألة النجاح أو الفشل، فلا توجد مقاييس ثابتة تضمن تعميم التجارب السينمائية المُسندة بالكلية إلى المرأة باعتبارها غير قادرة على تحمل مسؤولية فيلم بمفردها بعيداً عن دعم الرجل.
وتكاد تكون عُقدة الممثل النجم هي السائدة على مدى تاريخ السينما المصرية منذ نشأتها وحتى وقت قريب، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة ومُتعددة، فالنماذج المُعتبرة للبطولات النسائية في فترات الزهو الأولى من عمر السينما المصرية، لم تكن مُطلقة تماماً، ففي فيلم «زينب» على سبيل المثال كانت البطولة التجارية لراقية إبراهيم، بينما تقاسم معها البطولة الفنية يحيى شاهين ليُصبح للفيلم خطين متوازيين فلم يتم التعويل على الحالة الرومانسية فقط المُتمثلة في حضور وتأثير وجمال البطلة، بل تم التركيز على الجانب الموضوعي كنواة صُلبة لا يخيب الرهان عليها طالما وجدت الحبكة الدرامية المطلوبة والمُقنعة.
ومن راقية إبراهيم إلى فاطمة رشدي وأمينة محمد وليلى مراد وهند رستم وكاميليا وغيرهن لم يطمئن المنتجون والمخرجون إلى فكرة إسناد البطولة الكاملة إلى المرأة وإن كانت نجمة شباك يشار إليها بالبنان وتمتد لها طوابير المعجبين أمام دور العرض. فأم كلثوم وهي النموذج الأوضح للنجاح شاركها أنور وجدي البطولة في أكثر من فليم وهو البطل والمنتج والمخرج، حيث وجوده كان ضرورياً للقصة ومهماً لشباك التذاكر أيضاً.
وكذلك ليلى مراد التي حملت بعض الأفلام اسمها في سلسلة فنية إبداعية معروفة منها «ليلى بنت الريف» و»ليلى بنت الذوات» و»ليلى بنت الفقراء» لم تستطع بمفردها فرض نفوذها كنجمة كبيرة يمكنها إنجاح فيلم بدون الرجل، ومن ثم شاطرها البطولة نجوم كبار مثل حسين صدقي ونجيب الريحاني وأيضا أنور وجدي الذي كان قاسما مشتركا في أهم أفلامها وأشهرها.
ولم تتغير الفكرة الثابتة عن أهمية الممثل النجم في الأفلام النسائية إلا في تجارب خاصة جداً كان الفضل فيها لفاتن حمامة التي كسرت طوق الاحتكار وأتاحت للمرأة فرصة البطولة المُطلقة، فهناك أفلام كثيرة بُنيت الأحداث فيها على الحيثية النسائية ومن أهمها فيلم «دعاء الكروان» و»الباب المفتوح» و»الحرام» و»لا وقت للحب» حيث انتزعت حمامة الحق المُكتسب للمرأة في لعب الأدوار الرئيسية بقوة الموهبة واستطاعت بالفعل أن تُحدث أثراً عظيماً في هذا الشأن، لا سيما في المرحلة الوسطى من عمر السينما المصرية، فمن بعدها لعبت سعاد حسني ونادية لطفي ومديحة يسري ولبنى عبد العزيز وزبيدة ثروت وتحية كاريوكا وهند رستم، أدوار البطولة بشكل مختلف وأسفرت تجاربهن عن نجاحات كبيرة في أفلام مثل «الزوجة الثانية» و»الأفوكاتو مديحة» و»آه من حوا» و»الراهبة» و»شباب امرأة» و»عاشت للحب» و»السمان والخريف» و»الخائنة».
ولكن الغريب والمُثير للعجب أن النجاح الذي تحقق للنوعيات المذكورة من الأفلام بالبطولات النسائية لم يثبت القاعدة، وإنما وضع لها الاعتبار كتجارب مهمة في إطارها الاستثنائي، وبقيت المقاييس كما هي، حيث الاعتماد الرئيسي على الممثل بالدرجة الأولى وليس الممثلة، اللهم إذا كان التوظيف الفني يعتمد على الشق التجاري فتُمنح النجمة مساحة واسعة لتُصبح قادرة على الجذب من الناحية الشكلية، كما في ثلاثية نجيب محفوظ وحسن الإمام أو في مجموعة أفلام ناهد شريف وشمس البارودي وسهير رمزي التي ظهرت في السبعينيات ولعبت بقوة على عناصر التشويق والإثارة.
وبعبورها مرحلة انعدام الثقة في البطولات النسائية، بدأت ملامح النجومية تتغير بشكل نسبي في سينما الثمانينيات والتسعينيات وظهرت على السطح تجارب غيرت من الحسبة التجارية والرقمية للأرباح تمثلت في أفلام نادية الجندي ونبيلة عبيد التي تصدرت المشهد في المواسم الرئيسية ونافست بقوة أفلام عادل إمام، وبظهور موضة الألقاب في الدعاية حصلت نادية الجندي على لقب نجمة الجماهير وبات لقب نجمة مصر الأولى من نصيب نبيلة عبيد فزاد الإقبال الجماهيري على الأفلام وقفز معدل الأرباح بشكل ملحوظ واعتبرت البطولات النسائية من دواعي وأسباب النجاح، شريطة أن تُسند البطولات للمذكورة أسمائهن بوصفهن أوراقاً رابحة مضمونة العائد، فالعينات التي قدمتها نادية الجندي من أعمال فنية كانت جديرة بأن تجعلها الحصان الرابح في سباق الأرقام، كأشهر أفلامها «خمسة باب» و»وكالة البلح» و»الضائعة» و»مهمة في تل أبيب» و»ملف سامية شعراوي» و»عصر القوة» وغيرها.
وكذلك كانت نفس الامتيازات متوافرة لنبيلة عبيد قبل ظهور ليلى علوي وإلهام شاهين وتحول المنتجين في اتجاه آخر، فقد قدمت نبيلة مجموعة أفلام أكثر نضجاً كان من بينها «اغتيال مدرسة» و”حارة برجوان» و”الراقصة والطبال» و»العذراء والشعر الأبيض» و»كشف المستور» بالإضافة لأفلامها التجارية الأخرى «أرجوك إعطني هذا الدواء» و»أبناء وقتلة» و»المرأة والساطور».
ومع رسوخ نجومية ليلى علوي وإلهام شاهين ومعالي زايد، ظهرت نوعيات سينمائية مغايرة إلى حد كبير اعتمدت بشكل أساسي على العنصر النسائي وناقشت قضايا نسوية حقيقية وهي المرحلة الأهم في السينما المصرية إبان فترتي الثمانينيات والتسعينيات، حيث قدم المخرج الراحل رأفت الميهي نوعيات من الفانتازيا كانت جديدة في حينها، كـ»سيداتي آنساتي» و»السادة الرجال» و»تفاحة» وقدم مجدي أحمد علي فيلمه المهم «يا دنيا يا غرامي» كنموذج للبطولة النسائية المشتركة ما بين ليلى علوي وإلهام شاهين وهالة صدقي، والذي أتبعه بفيلمي «أسرار البنات» و»خلطة فوزية» بعدها بعدة سنوات ليؤكد أن البطولات النسائية جائزة وممكنة لو توافرت لها مُعطيات النجاح، وعلى رأسها الثقة.
رابط مختصر https://cedarpost.com.au/?p=10817